سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


قوله تعالى: {وجَعلوا الملائكةَ} قال الزجاج: الجَعْل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، نقول: قد جعلتُ زيداً أعلَم الناسِ، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به. قال المفسرون: وجَعْلُهم الملائكة إِناثاً قولُهم: هُنَّ بناتُ الله.
قوله تعالى: {الذين هُمْ عِبادُ الرحمن} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: {عِنْدَ الرحمن} بنون من غير ألف. وقرأ الباقون: {عِبادُ الرحمن}، ومعنى هذه القراءة جعلوا له من عباده بنات والقراءة الأُولى موافقة لقوله: {إِنَّ الذين عِْنَد ربِّكَ} [الأعراف: 206] وإِذا كانوا في السماء كان أَبْعَدَ للعِلْم بحالهم {أَشَهِدُوا خَلْقَهم}؟ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: {أَأُشْهِدوا} بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة. وروى المسيّبي عن نافع {أَوُ شْهِدوا} ممدودة من أشْهدْتُ، والباقون لا يُمدُّون.
{أشَهِدوا} من شَهِدْتُ، أي: أحَضَروه فعرَفوا أنهم إِناث؟! وهذا توبيخ لهم إِذ قالوا فيما يُعْلَم بالمشاهَدة من غير مشاهَدة {ستُكْتَبُ شهادتُهم} على الملائكة أنها بناتُ الله. وقال مقاتل: لمّا قال الله عز وجل {أَشِهدوا خَلْقَهم}؟، سُئلوا عن ذلك فقالوا: لا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فما يُدريكم أنها إِناث»؟ فقالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نَشهد أنهم لم يَكذبوا، فقال الله: {ستُكْتَبُ شهادتُهم ويُسأَلُونَ} عنها في الآخرة. وقرأ أبو رزين، ومجاهد: {سنَكْتُبُ} بنون مفتوحة {شهادتَهم} بنصب التاء. ووافقهم ابن أبي عبلة في {سنَكْتُبُ} وقرأ {شهاداتِهم} بألف.
قوله تعالى: {وقالوا لو شاءَ الرحمنُ ما عَبَدْناهم} في المكنيِّ عنهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة، ومقاتل في آخرين.
والثاني: الأوثان، قاله مجاهد. وإِنما عَنَوْا بهذا أنه لو لم يَرْضَ عبادتَنا لها لعجَّل عقوبتنا، فردَّ عليهم قولهم بقوله: {ما لهم بذلك مِنْ عِلْمٍ} وبعض المفسرين يقول: إِنما أشار بقوله: {مالهم بذلك مِنْ عِلْمٍ} إلى ادِّعائهم أنَّ الملائكة إِناث؛ قال: ولم يتعرَّض لقولهم {لو شاء الرحمن ما عَبَدْناهم} لأنه قول صحيح؛ والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: {لو شاء اللهُ ما أَشْرَكْنا} [الانعام: 148] وقوله: {أنُطْعِمُ مَنْ لو يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك و{يَخْرُصُونَ} بمعنى: يكذبون. وإنما كذَّبهم لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر ديناً.
{أَمْ آتيناهم كتاباً مِنْ قَبْلِهِ} أي: مِنْ قَبْلِ هذا القرآن، أي بأن يعبدوا غير الله {فهُم به مستمسِكون} يأخذون بما فيه.
{بل قالوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّة} أي: على سُنَّة ومِلَّة ودِين {وإِنّا على آثارهم مُهْتَدون} فجعلوا أنفُسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حُجَّة؛ ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: {وكذلك} أي: وكما قالوا قال مُتْرَفو القُرى مِنْ قَبْلهم، {وإِنّا على آثارهم مقتدون} بهم.
{قُلْ أَوَلَوْ جِئتُكم} وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: {قال أَوَلَوْ جِئتُكم} بألف. قال أبو علي: فاعل: {قال} النذير، المعنى: فقال لهم النذير. وقرأ أبو جعفر: {أَوَلَوْ جئناكم} بألف ونون بأهدى أي: بأصوب وأرشد. قال الزجاج: ومعنى الكلام: قُلْ: أتَّتبعونَ ما وجدتم عليه آباءكم وإِن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إِبطال القول بالتقليد. قال مقاتل: فرَدُّوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: {إِنا بما أُرسِلتم به كافرون}؛ ثم رجع إِلى الأُمم الخالية، فقال {فانتَقَمْنا منهم...} الآية.


قوله تعالى: {إِنَّني بَراءٌ} قال الزجاج: البَراء بمعنى البَريء، والعرب تقول للواحد: أنا البَراء منك، وكذلك للإثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البَراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البَراءان منك، ولا البَراءون منك، وإِنما المعنى: أنا ذو البَراء منك، ونحن ذو الَبراء منك، كما يقال: رجل عَدْل، وامرأة عَدْل. وقد بيَّنَّا استثناء إبراهيم ربَّه عز وجل مما يعبدون عند قوله: {إلاّ ربِّ العالَمِين} [الشعراء: 77].
قوله تعالى: {وجَعَلَها} يعني كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله {كَلِمةً باقيةً في عَقِبِه} أي: فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحِّد {لعلَّهم يَرْجِعونَ} إَلى التوحيد كلُّهم إِذا سمعوا أن أباهم تبرَّأ من الأصنام ووحَّد اللهَ عز وجل.
ثم ذكر نعمته على قريش فقال: {بل متَّعتُ هؤلاء وآباءهم} والمعنى: إِنِّي أجزلتُ لهم النِّعَم ولم أُعاجلهم بالعقوبة {حتى جاءهم الحق} وهو القرآن {ورسولٌ مُبِينٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي لهم أن يقابِلوا النِّعَم بالطاعة للرسول، فخالفوا.
{ولمّا جاءهم} يعني قريشاً في قول الأكثرين. وقال قتادة: هم اليهود و{الحقُّ} القرآن.


قوله تعالى: {وقالوا لولا} أي: هلاّ {نُزِلَ هذا القرآنُ على رجل من القريتين عظيمٍ} أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة؛ وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان:
أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والسدي.
والثاني: عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد. وفي عظيم الطائف خمسة أقوال.
أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة.
والرابع: أنه ابن عَبْد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والخامس: كنانة بن عبد بن عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي.
فقال الله عز وجل ردّاً عليهم وإِنكاراً {أَهُمْ يَقْسِمون رحمةَ ربِّكَ} يعني النُّبوَّة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا.
{نحن قَسَمْنا بينهم معيشتهم} المعنى أنه إِذا كانت الأرزاق بقَدَر الله، لا بحول المحتال وهو دون النُّبوَّة فكيف تكون النًّبوَّة؟! قال قتادة: إِنك لَتَلْقَى ضعيفَ الحِيلة عَييَّ اللِّسان قد بُسِطَ له الرِّزْقُ، وتَلْقَى شديدَ الحِيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه.
قوله تعالى: {ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} فيه قولان:
أحدهما: بالغنى والفقر.
والثاني: بالحرية والرق {لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضاً سُخْرِيّاً} وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: {سِخْرِيّاً} بكسر السين. ثم فيه قولان:
أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَم، وهذا على القول الأول.
والثاني: ليملك بعضُهم بعضاً بالأموال فيتَّخذونهم عبيداً، وهذا على الثاني.
قوله تعالى: {ورَحْمَةُ ربِّكَ} فيها قولان:
أحدهما: النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس.
والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.
قوله تعالى: {ولولا أن يكون الناسُ أُمَّةً واحدةً} فيه قولان:
أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس.
والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {لَجَعَلْنا لِمَن يكفرُ بالرَّحمن لِبُيوتهم سُقُفاً من فِضَّة} لهوان الدنيا عندنا. قال الفراء: إن شئتَ جعلتَ اللاّم في {لِبُيوتهم} مكرَّرة كقوله: {يسألونك عن الشَّهْر الحرام قِتالٍ فيه} [البقرة: 217]، وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى على، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {سَقْفاً} على التوحيد. وقرأ الباقون {سُقُفاً} بضم السين والقاف جميعاً.
قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع؛ فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفاً من فِضَّة {ومعارجَ} وهي الدَّرَج؛ والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك {ولِبُيوتهم أبواباً} أي: من فِضَّة {وسُرُراً} أي: من فِضَّة.
قوله تعالى: {عليها يَظْهَرونَ} قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت إذا علَوْت سطحه.
قوله تعالى: {وزُخْرُفاً} وهو الذهب؛ والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهباً وغنىً {وإِنْ كُلُّ ذلك لَما متاعُ الحياة الدُّنيا} المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و{ما} زائدة. وقرأ عاصم، وحمزة: {لَمّا} بالتشديد، فجعلاه بمعنى إِلاّ؛ والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول {والآخرة عند ربِّك للمتَّقين} خاصةً لهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5